فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ} أي: التي تقترحها قريش: {إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} أي: إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم، كعاد وثمود. وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك. فاستوجبوا الاستئصال، على ما مضت به السنة الإلهية. وقد قضينا أن لا نستأصلهم، لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن. ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة، فقال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ} أي: أعطينا قوم صالح الناقة بسؤالهم: {مُبْصِرَةً} أي: بينة، تبصر الغير برهانها: {فَظَلَمُواْ بِهَا} أي: فكفروا بها وظلموا أنفسهم بسبب عقرها، فأبادهم الله عن آخرهم وانتقم منهم: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} أي: وما نرسل الآيات المقترحة إلا تخويفًا للناس، ليعلموا السنة الإلهية مع العاتين، فيتذكروا ويتوبوا.
روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن يأتيهم الذي سألوا، فإن كفروا، هلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم. قال: «لا بل أستأني بهم»، وأنزل الله تعالى: {وَمَا مَنَعنَا أَن نُّرسِلَ} الآية. ورواه النسائي.
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} أي: علمًا، فلا يخفى عليه شيء من كفرهم وتكذيبهم. ومنه ما جرى منهم، إثر الرؤيا والإخبار بالشجرة، من الجحود والهزء واللغو. كما قال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} قال الأكثرون: يعني ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الآيات. فلما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للناس، أنكر بعضهم ذلك وكذبوا. وجعل الله ذلك ثباتًا ويقينًا للمخلصين. فكانت فتنة، أي: اختبارًا وامتحانًا. وتمسك بهذا من جعل الإسراء منامًا؛ لكون الرؤيا مخصوصة بالمنام. وأجيب بأن قوله تعالى: {إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} يرده؛ لأن رؤيا المنام لا يفتتن بها أحد ولا يكذب. وجاء في اللغة الرؤيا بمعنى الرؤية مطلقًا وهو معنى حقيقي لها. وقيل: إنها حقيقة في رؤيا المنام ورؤيا اليقظة ليلًا. وقد ذكر السهيلي أنه ورد في كلام العرب بهذا المعنى، وأنه كالقربى والقربة. وقيل: إنه مجاز، إما مشاكلة لتسميتهم له رؤيا، أو جار على زعمهم. أو على التشبيه بها لما فيها من خرق العادة أو لوقوعها ليلًا، أو لسرعتها. أفاده الشهاب.
وروى الطبري عن الحسن في الآية هذه؛ قال: أسري به صلى الله عليه وسلم عشاء إلى بيت المقدس، فصلى فيه وأراه الله ما أراه من الآيات، ثم أصبح بمكة، فأخبرهم أنه أسري به إلى بيت المقدس. فقالوا له: يا محمد! ما شأنك؟ أمسيت فيه ثم أصبحت فينا، تخبرنا أنك أتيت بيت المقدس؟ فعجبوا من ذلك حتى ارتد بعضهم عن الإسلام.
وقال قوم: الآية في رؤياه صلى الله عليه وسلم التي رأى أنه يدخل مكة. فروى البريِّ عن ابن عباس، قال: يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِيَ أنه دخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة، فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة قبل الأجل، فرده المشركون، فقالت أناس: قد رُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان حدثنا أنه سيدخلها. فكانت رجعته فتنتهم. وذلك عام الحديبية. ثم دخل مكة في العام المقبل. وأنزل الله عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفتح: 27] ولا يقال: إن السورة مكية وقصة الحديبية بعد الهجرة، لاحتمال أنه رأى تلك الرؤيا بمكة، ونزلت عليه هذه الآية. ولكنه ذكرها عام الحديبية؛ لأنه كان إذ ذاك بمكة. فعلم أن دخوله بعد خروجه منها. كذا قيل.
وذهب بعضهم إلى أن كثيرًا من السور المكية ضم إليها آيات مدنية، كما في الإتقان. والطبري رجح الأول وفاقًا للأكثر. وقد قدمنا مرارًا؛ أن السلف قد يريدون بقولهم: نزلت الآية في كذا أن لفظ الآية مما يشمل ذلك. لا أنه كان سببًا لنزوله حقيقة. وعليه، فلا إشكال.
وقوله تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} عطف على الرؤيا، والأكثرون على أنها شجرة الزقوم، المذكورة في سورة الصافات في قوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 62- 65] الآيات. وفتنتهم فيها ما رواه الطبري عن ابن عباس وقتادة؛ أن أبا جهل قال: زعم صاحبكم هذا- يعني النبي صلوات الله عليه- أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر! فكذبوا بذلك. وفي رواية: أن أبا جهل قال: أيخوفني بشجر الزقوم؟ ثم دعا بتمر وزبد وجعل يأكل ويقول: تزقموا، فما نعلم الزقوم غير هذا. والمراد بلعنها في القرآن: لعن طاعمها فيه، على أنه مجاز في الإسناد. أو الملعون بمعنى المؤذي لأنها تغلي في البطون كغلي الحميم. فهو إما مجاز مرسل أو استعارة. وقوله تعالى: {وَنُخَوِّفُهُمْ} أي: بذلك وبنظائره من الآيات: {فَمَا يَزِيدُهُمْ} أي: التخويف: {إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} أي: تماديًا فيما هم فيه من الضلال والكفر.
قال المهايمي: أي: فلو أرسلنا إليهم الآيات المقترحة لقالوا إنه أجل من أحاط بأبواب السحر. فلا فائدة في إرسالها سوى تعجيل العذاب الدنيوي. لكنه ينافي إظهار دينه على الدين كله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}
هذا كشف شبهة أخرى من شبه تكذيبهم إذ كانوا يسألون النبي أن يأتيهم بآيات على حسب اقتراحهم، ويقولون: لو كان صادقًا وهو يطلب منا أن نؤمن به لجاءنا بالآيات التي سألناه، غرورًا بأنفسهم أن الله يتنازل لمباراتهم.
والجملة معطوفة على جملة {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها} الآية [الإسراء: 58]، أي إنما أمهلنا المتمردين على الكفر إلى أجل نزول العذاب ولم نجبهم إلى ما طلبوا من الآيات لعدم جدوى إرسال الآيات للأولين من قبيلهم في الكفر على حسب اقتراحهم فكذبوا بالآيات.
وحقيقة المنع: كف الفاعل عن فعل يريد فعله أو يسعى في فعله، وهذا محال عن الله تعالى إذ لا مكره للقادر المختار.
فالمنع هنا مستعار للصرف عن الفعل وعدم إيقاعه دون محاولة إتيَانِه.
والإرسال يجوز أن يكون حقيقة فيكون مفعول {أن نرسل} محذوفًا دل عليه فعل {نرسل}.
والتقدير: أن نرسل رسولَنا، فالباء في قوله: {بالآيات} للمصاحبة، أي مصاحبًا للآيات التي اقترحها المشركون.
ويجوز أن يكون الإرسال مستعارًا لإظهار الآيات وإيجادها، فتكون الباء مزيدة لتأكيد تعلق فعل {نرسل بالآيات}، وتكون {بالآيات} مفعولًا في المعنى كقوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} [المائدة: 6].
والتعريف في بالآيات على كلا الوجهين للعهد، أي المعهودة من اقتراحهم كقولهم: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا}، [الإسراء: 90] و{قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} [القصص: 48] و{قالوا لن نؤمن حتى نوتَى مثل ما أوتي رسل الله} [الأنعام: 124] على أحد التأويلين.
و{أن} الأولى مفيدة مصدرًا منصوبًا على نزع الخافض، وهو {مِن} التي يتعدى بها فعل المنع، وهذا الحذف مطرد مع {أن}. و{أن} الثانية مصدرها فاعل {منعنا} على الاستثناء المفرغ.
وإسناد المنع إلى تكذيب الأولين بالآيات مجاز عقلي لأن التكذيب سبب الصرف.
والمعنى: أننا نعلم أنهم لا يؤمنون كما لم يؤمن من قبلهم من الكفرة لما جاءتهم أمثال تلك الآيات.
فعلم الناس أن الإصْرار على الكفر سجية للمشرك لا يقلعها إظهار الآيات، فلو آمن الأولون عندما أظهرت لهم الآيات لكان لهؤلاء أن يجعلوا إيمانهم موقوفًا على إيجاد الآيات التي سألوها.
قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية} [يونس: 96 97].
والأظهر أن هذا تثبيت لأفئدة المؤمنين لئلا يفتنهم الشيطان، وتسلية للنبيء لحرصه على إيمان قومه فلعله يتمنى أن يجيبهم الله لما سألوا من الآيات ولحزنه من أن يظنوه كاذبًا.
وجملة {وآتينا ثمود الناقة} في محل الحال من ضمير الجلالة في {منعنا}، أي وقد آتينا ثمودًا آية كما سألوه فزادوا كفرًا بسببها حتى عجل لهم العذاب.
ومعنى {مبصرة} واضحة الدلالة، فهو اسم فاعل أبصر المتعدي إلى مفعول، أي جعل غيرَه مُبصرًا وذا بصيرة.
فالمعنى: أنها مفيدة البصيرة، أي اليقين، أي تجعل من رآها ذا بصيرة وتفيدهُ أنها آية.
ومنه قوله تعالى: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين} [النمل: 13].
وخص بالذكر ثمود وآيتها لشهرة أمرهم بين العرب، ولأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبَة من أهل مكة يبصرها صادرهم وواردهم في رحلاتهم بين مكة والشام.
وقوله: {فظلموا بها} يجوز أن يكون استُعمل الظلم بمعنى الكُفر لأنه ظلم النفس، وتكون الباء للتعدية لأن فعل الكفر يعدى إلى المكفور بالباء.
ويجوز أن يكون الظلم مضمنًا معنى الجحد، أي كابروا في كونها آية، كقوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا} [النمل: 14].
ويجوز بقاء الظلم على حقيقته، وهي الاعتداء بدون حق، والباء صلة لتوكيد التعدية مثل الباء في {وامسحوا برؤوسكم} [المائدة: 6]، أي ظلموا الناقة حينَ عَقَروها وهي لم تجن عليهم، فكان عقرها ظلمًا.
والاعتداء على العجماوات ظلم إذا كان غير مأذون فيه شرعًا كالصيد.
هذا بيان لحكمة أخرى في ترك إرسال الآيات إلى قريش، تشير إلى أن الله تعالى أراد الإبقاء عليهم ليدخل منهم في الإسلام كثير ويكون نشر الإسلام على يد كثير منهم.
وتلك مكرمة للنبيء صلى الله عليه وسلم فلو أرسل الله لهم الآيات كما سألوا مع أن جبلتهم العناد لأصروا على الكفر فحقت عليهم سنّة الله التي قد خلت في عباده وهي الاستئصال عقب إظهار الآيات، لأن إظهار الآيات تخويف من العذاب والله أراد الإبقاء على هذه الأمة قال: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33] الآية، فعوضنا تخويفهم بدلًا عن إرسال الآيات التي اقترحوها.
والقول في تعدية {وما نرسل بالآيات} كالقول في {وما منعنا أن نرسل بالآيات} معنى وتقديرًا على الوجهين. والتخويف: جعل المرء خائفًا. والقصر في قوله: {إلا تخويفًا} لقصر الإرسال بالآيات على علة التخويف، وهو قصر إضافي، أي لا مباراة بين الرسل وأقوامهم أو لا طمعًا في إيمان الأقوام فقد علمنا أنهم لا يؤمنون.
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس}
هذه تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم على حزنه من تكذيب قومه إياه، ومن إمهال عتاة أعداء الدين الذين فتنوا المؤمنين، فذكره الله بوعده نصرَه.
وقد أومأ جَعْلُ المسند إليه لفظ الرب مضافًا إلى ضمير الرسول أن هذا القول مسوق مساق التكرمة للنبيء وتصبيره، وأنه بمحل عناية الله به إذ هو ربه وهو ناصره؛ قال تعالى: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} [الطور: 48].
فجملة: {وإذ قلنا لك} إلخ يجوز أن تكون معطوفة على جملة {وما منعنا أن نرسل بالآيات} [الإسراء: 59] ويجوز أن تكون معترضة.
و{إذ} متعلقة بفعل محذوف، أي اذكُرْ إذ قلنا لك كلامًا هو وعد بالصبر، أي اذكر لهم ذلك وأعدهُ على أسماعهم، أو هو فعل اذكر على أنه مشتق من الذُّكر بضم الذال وهو إعادة الخبر إلى القوة العقلية الذاكرة.
والإحاطة لما عدي فعلها هنا إلى ذاتتِ الناس لا إلى حال من أحوالهم تعين أنها مستعملة في معنى الغلبة، كما في قوله تعالى: {وظنوا أنهم أحيط بهم} في سورة [يونس: 22].
وعُبِّرَ بصيغة المضي للتنبيه على تحقيق وقوع إحاطة الله بالناس في المستقبل القريب.
ولعل هذا إشارة إلى قوله تعالى: {أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الرعد: 41].
والمعنى: فلا تحزن لافترائهم وتطاولهم فسننتقم منهم.
عطف على جملة {وما منعنا أن نرسل بالآيات} [الإسراء: 59] وما بينهما معترضات.
والرؤيا أشهر استعمالها في رؤيا النوم، وتستعمل في رؤية العين كما نقل عن ابن عباس في هذه الآية، قال: هي رؤيا عَيْن أريها النبي ليلة أسري به إلى بيت المقدس، رواه الترمذي وقال: إنه قول عائشة ومعاوية وسبعة من التابعين، سماهم الترمذي.
وتأولها جماعة أنها ما رآه ليلة أسري به إذ رأى بيت المقدس وجعل يصفه للمشركين، ورأى عِيرَهم واردة في مكان معين من الطريق ووصف لهم حال رجال فيها فكان كما وصف.
ويؤيد هذا الوجه قوله: {التي أريناك} فإنه وصف للرؤيا ليُعلم أنها رؤية عين.
وقيل: رأى أنه يدخل مكة في سنة الحديبية فرده المشركون فلم يدخلها فافتتن بعض من أسلموا فلما كان العام المقبل دخلها.
وقيل: هي رؤيا مصارع صناديد قريش في بَدر أريها النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أي بمكة.
وعى هذين القولين فهي رؤيا نوم ورؤيا الأنبياء وحي.
والفتنة: اضطراب الرأي واختلال نظام العيش، وتطلق على العذاب المكرر الذي لا يطاق، قال تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} [البروج: 10]، وقال: {يوم هم على النار يفتنون} [الذاريات: 13].
فيكون المعنى على أول القولين في الرؤيا أنها سبب فتنة المشركين بازدياد بعدهم عن الإيمان، ويكون على القول الثاني أن المرئي وهو عذابهم بالسيف فتنة لهم.
{والشجرة} عطف على الرؤيا، أي ما جعلنا ذكر الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس.
وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون} في سورة [الصافات: 64، 66]، وقوله: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم الآية} في سورة [الدخان: 43، 44] وقوله: {إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم} في سورة [الواقعة: 51، 52].
روي أن أبا جهل قال: زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر؛ ثم يقول بأن في النار شجرة لا تحرقها النار.
وجهلوا أن الله يخلق في النار شجرة لا تأكلها النار.
وهذا مروي عن ابن عباس وأصحابه في أسباب النزول للواحدي وتفسير الطبري.
وروي أن ابن الزبعرى قال: الزقوم التمر بالزبد بلغة اليمن، وأن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمرًا وزبدًا وقال لأصحابه: تمزقوا.
فعلى هذا التأويل فالمعنى: أن شجرة الزقوم سبب فتنة مكفرهم وانصرافهم عن الإيمان.
ويتعين أن يكون معنى جعل شجرة الزّقوم فتنة على هذا الوجه أن ذكرها كان سببَ فتنة بحذف مضاف وهو ذكر بقرينة قوله: {الملعونة في القرآن} لأن ما وصفت به في آيات القرآن لعْن لها.
ويجوز أن يكون المعنى: أن إيجادها فتنة.
أي عذاب مكرر، كما قال: {إنا جعلناها فتنة للظالمين} [الصافّات: 63].
والملعونة أي المذمومة في القرآن في قوله: طعام الأثيم [الدخان: 44] وقوله: {طلعها كأنه رؤوس الشياطين} [الصافات: 65] وقوله: {كالمهل تغلي في البطون كغلي الحميم} [الدخان: 45 46].
وقيل معنى الملعونة: أنها موضوعة في مكان اللعنة وهي الإبعاد من الرحمة، لأنها مخلوقة في موضع العذاب.
وفي الكشاف: قيل تقول العرب لكل طعام ضار: ملعون.
عطف على جملة {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} [الإسراء: 59] الدال على أنهم متصلبون في كفرهم مكابرون معاندون.
وهذه زيادة في تسلية النبي حتى لا يأسف من أن الله لم يرهم آيات، لأن النبي حريص على إيمانهم، كما قال موسى عليه السلام {فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88].
ويوجد في بعض التفاسير أن ابن عباس قال: في الشجرة الملعونة بنو أمية.
وهذا من الأخبار المختلقة عن ابن عباس، ولا إخالها إلا مما وضعه الوضاعون في زمن الدعوة العباسية لإكثار المنفرات من بني أمية، وأن وصف الشجرة بأنها الملعونة في القرآن صريح في وجود آيات في القرآن ذكرت فيها شجرة ملعونة وهي شجرة الزقوم كما علمت.
ومثل هذا الاختلاق خروج عن وصايا القرآن في قوله: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} [الحجرات: 11].
وجيء بصيغة المضارع في {نُخوِّفهم} للإشارة إلى تخويف حاضر، فإن الله خوفهم بالقحط والجوع حتى رأوا الدخان بين السماء والأرض وسألوا الله كشفه فقال تعالى: {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} [الدخان: 15] فذلك وغيره من التخويف الذي سبق فلم يزدهم إلا طغيانًا.
فالظاهر أن هذه الآية نزلت في مدة حصول بعض المخوفات.
وقد اختير الفعل المضارع في {نخوفهم} و{يزيدهم} لاقتضائه تكرر التخويف وتجدده، وأنه كلما تجدد التخويف تجدد طغيانهم وعظم.
والكبير: مستعار لِمعنى الشديد القوى في نوع الطغيان.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {قل قتال فيه كبير} في سورة [البقرة: 217]. اهـ.